معكم في درس جديد من دروس التفسير
درسنا اليوم عن تفسير سورة جليلة من سور القران الكريم ....وهي "سورة الاخلاص"
لكن قبل البدء في تفسيرها سأتطرق لبعض الامور المتعلقة بها
أولا:أسماؤها
سميت في أكثر المصاحف و في معظم التفاسير"سورة الاخلاص" واشتهر هذا الاسم لاختصاره وجمعه معاني هذه السورة الكريمة.
إلا أنها تسمى أيضا أسماء أخرى بلغ عددها 21 اسما ...منها :سورة التوحيد" و "سورة الاساس" و "سورة الصمد" و سورة التجريد" و سورة النجاة" و"سورة المعرفة" و ...غيرها.
ثانيا: سبب نزولها
يعود سبب نزول هذا السورة الكريمة إلى أن قريشا قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:"انسب لنا ربك" فنزلت "قل هو الله أحد..."إلى آخرها.(أخرجه الترمذي)
وقد نزلت بعد" سورة الناس" وقبل "سورة النجم" وعدت الثانية والعشرين في عداد نزول السور.
وهي مكية على قول الجمهور ,لانها جمعت أصل التوحيد وهو الاكثرفيما نزل من القران بمكة.
وبعد هذه اللمحة القصيرة عن هذه السورة ...نذهب بعون الله تعالى إلى تفسيرها
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4).
-"قل": افتتحت هذه السورة الكريمة بالامر بالقول"قل" لإظهار العناية بما بعد فعل القول .و لفائدة أخرى وهي : أنها نزلت على سبب قول المشركين "انسب لنا ربك"- كما تقدم- فكانت جوابا على سؤالهم ولذالك قيل له : "قل".أي قولا جازما به ,معتقدا له, عارفا بمعناه.
-"هو":ضمير الشأن للإهتمام بالجملة التي بعده.
-"أحد":اسم بمعنى "واحد"و أصل همزته الواو,فيقال "وحد" كما يقال "أحد"قلبت الواو همزةعلى غير قياس..ومعناه "منفرد" أي أنه عز وجل منفرد بالإلهية لا يشاركه فيها شيء من الموجودات.ومنفرد بالكمال.
قال ابن جزي: واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معانٍ، كلها صحيحة في حقه تعالى:
الأول: أنه واحد لا ثاني معه فهو نفيٌ للعدد.
والثاني: أنه واحد لا نظير ولا شريك له، كما تقول: فلان واحد في عصره أي لا نظير له.
والثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض.
-الله الصمد:الصمد لغة: من صمد إليه ,إذا قصده ...فالصمد الذي يقصد إليه في الحوائج.كما قال عز وجل:"ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون".
ولأهل العلم في تفسيرها عدة أقوال منها:
*-السيد الذي لا يستغنى عنه في المهمات.
*-سيد القوم المطاع فيهم.
*-الدائم الباقي الذي الذي لم يزل ولا يزال.
*-الذي لا يلد ولا يولد.
*-إنه المستغني عن كل أحد و المحتاج إليه كل أحد.
*-إنه المقصود في الرغائب و المستعان به في المصائب.
وصيغة "الله الصمد" صيغة قصر فتفيد قصر قصر صفة الصمدية على الله تعالى.
واسم الله "الصمد" لم يرد في القران الكريم إلا مرة واحدة في هذه السورة الكريمة فقط.
-" لم يلد ولم يولد":أي لم يتخذ ولداً، وليس له أبناء وبنات، فكما هو متصف بالكمالات، منزَّه عن النقائص.
قال المفسرون: في الآية ردٌّ على كل من جعل لله ولداً، كاليهود في قولهم: "عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ" والنصارى في قولهم: "الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه" وكمشركي العرب في زعمهم أن"الملائكة بنات الله" فردَّ الله تعالى على الجميع في أنه ليس له ولد، لأن الولد لا بدَّ أن يكون من جنس والده، والله تعالى أزلي قديم، ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يكون له ولد، ولأن الولد لا يكون إِلا لمن له زوجة، والله تعالى ليس له زوجة وإِليه الإِشارة بقوله تعالى: "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ"؟؟؟!. وقوله أيضا:"وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا" الجن3
-"وَلَمْ يُولَدْ": أي ولم يولد من أبٍ ولا أُمٍ، لأن كل مولود حادث، والله تعالى قديم أزلي، فلايصح أن يكون مولوداً ولا أن يكون له والد،و "لم يولد" عطف على "لم يلد"وهي بمنزلة الاحتراس سداً لتجويز أن يكون له والد فأردف نفي الولد بنفي الوالد.
-"ولم يكن له كفوا أحد":أي وليس له جل وعلا مثيلٌ، ولا نظير، ولا شبيه أحدٌ من خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" .
قال ابن كثير: هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه، أو قريب يدانيه ؟ تعالى وتقدَّس وتنزَّه.
نأتي الان إخواني إلى ذكر فضلها .
ورد في فضل سورة الإخلاص العديد من الأحاديث......... وعلي سبيل المثال لا الحصر :
أولا:أنها تعدل ثلث القران
فقد ثبت في الصحيح من طرق عدة أن رسول الله
صلي الله عليه وسلم قال :" قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن".
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة
ثلث القرآن ؟ " قالوا : وكيف يقرأ ثلث القرآن ؟ قال"قل هو الله .
أحد" تعدل ثلث القرآن.
وقد اختلف الفقهاء في تأويل معنى هذه الاحاديث على عدة أقوال منها :
1-أنهاتعدل ثلث القران في ثواب القراءة بحيث لو كررها القارىء ثلاث مرات كان له ثواب من قرأ القران كله.
2-أنها تعدل ثلث القران إذا قرأها من لايحسن غيرها من سور القران.
3-أنها تعدل ثلث معاني القران باعتبار أجناس المعاني لان معاني القران أحكام و أخبار و توحيد , و قد انفردت هذه السورة بجمعها أصول العقيدة ما لم يجمعه غيرها.
4-أنها تعدل ثلث القران في الثواب –مثل التأويل الاول- و لكن لا يكون تكريرها ثلاث مرات بمنزلة قراءة ختمة كاملة.
ثانيا:سبب في دخول الجنـة
كان رجل من الانصار يؤمهم في مسجد قباء ، وكان كلما افتتح
سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به ، افتتح : قل هو
الله أحد . حتى يفرغ منه ، ثم يقرأ سورة أخرى معها ، وكان
يصنع ذلك في كل ركعة ،فكلمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح
بهذه السورة ، ثم لا ترى أنها تجزؤك حتى تقرأ بأخرى ، فأما أن
تقرأ بها وأما أن تدعها وتقرأ بأخرى ، فقال : ما أنا بتاركها ،
إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت ، وإن كرهتم تركتكم ، وكانوا
يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره ، فلما أتاهم النبي
صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر ، فقال : يافلان ما يمنعك أن
تفعل ما يأمرك به أصحابك ، وما يحملك على لزوم هذة السورة
في كل ركعة فقال : إني أحبها ، فقال : "حبك إياها ادخلك الجنة"
. حديث صحيح.
ثالثا:سبب لقبول الدعـاء:
سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول : اللهم ! إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله ، لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ،ولم يكن له كفؤا أحد . فقال : لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب . حديث صحيح.
رابعا:سبـب للشفـاء
مرضت فعادني رسول الله صلىالله عليه وسلم فقال : بسم الله الرحمن الرحيم أعيذك بالله الأحد الصمد الذي لم يلدولم يولد ولم يكن له كفوا أحد من شر ما تجد قالها مرارا . إسناده حسن
خامسا:سبب للمغفـرة
سمع رجلا يقول في تشهده : اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد
الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر
لي ذنوبي ، إنك أنت الغفور الرحيم فقال صلى الله عليه وسلم: قد
غفر له قد غفر له . حديث صحيح
أحبائي في الله ما هذه إلا قطرةمن فيض لا يعلمه إلا الله تعالى.
نفعنا الله و إياكم بما علمنا ووفقنا الى إلى ما يحبه و يرضاه
والسلام عليكم ورحمة الله